جاءت أزمة كورونا لتعيد ترتيب أولويات كثيرة يجب أن تحظى بها أساسيات الحياة. وأثبت هذا الفيروس أن الدول التي عززت وعمدت إلى تطوير بنيتها الصحية، هي القادرة على مواجهة الوباء، وكأنها دعوة مبطنة لإعادة النظر في ترتيب أولويات حقوق الإنسان.
Month: July 2020
الخوف من الفحص ظاهرة مقلقة
تهاني روحي
لعل هذا الفيروس الكوفيدي الجديد وضعنا أمام اختبار رئيسي للمواطنة، يجعل كل واحد منا أن يختار الثقة في البيانات العلمية وخبراء الرعاية الصحية وتصريحات المسؤولين على نظريات المؤامرة التي تنتشر مثل فيضان هائل على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولن تجدي أي رسائل يبثها المسؤولون بأساليب الوقاية وضرورة الفحص والالتزام بالحجر المنزلي إذا ما واجهتها حملات مكثفة من التشويه والانتقاد والتنمر الذي يطال كل من أصيب بهذا الفيروس اللعين، وفي غياب التسلح بالمعلومة الطبية الصحيحة جعلت المواطن يقف حائرا، مشوشا، مرتبكا وخائفا من إجراء الفحص حتى وإن كانت كل علامات المرض تظهر عليه، وضعيفا أمام أي رسالة صوتية أو فيديو يشاهده على الواتساب أو الفيسبوك (وهما أكثر منصات التواصل الاجتماعي نشاطا في نقل الإشاعات بحسب رصد معهد الإعلام). فالخوف من الفحص والإفصاح عن المرض أصبح ظاهرة مقلقة بل خطيرة في مكافحته.
وحين تتوجه الأنظار يوميا إلى معرفة من هم المصابون بالفيروس، تبدأ حالة من حملات التشهير التي تشن ضد المريض أو حتى أفراد عائلته وأقاربه، ويغرق المصاب في حالة نفسية يصعب أن يتخطاها. وفي مقابلات أجريت مع مرضى تعافوا في الأردن وبلاد عربية أخرى وفي تقرير صوتي للزميلة هبة عبيدات أضاءت فيه على كيفية التعامل مع المريض بطريقة إنسانية، وأظهرت الحالة النفسية الصعبة التي عاشوها من جراء حملة التنمر غير المسبوقة هم وعائلاتهم الصغيرة والكبيرة. فانتشار المرض ليس عيبا ولا نريد أن نختفي وراءه باللوم المبالغ فيه، وبالمقابل تقع مسؤولية كبيرة على كل شخص يخفي مرضه او يخالط أناسا وهو في فترة الحجر الصحي بل هو مسؤول وبشكل مباشر عن التسبب المقصود بمرض أو موت من خالطهم ونقل العدوى لهم.
ومع يقيننا بأن الحاجة تزداد وقت الأحداث الكبرى والأزمات إلى اللجوء أكثر وأكثر إلى وسائل التواصل الاجتماعي، لأنها تعطي الناس الحاجة إلى المعلومة والحاجة إلى التضامن، حيث أن شعور أن الأزمة “جماعية” وأنك “لست وحدك” يخفف من وطأتها في النفوس. إلا إن الإشاعات ونظريات المؤامرة بشأن فيروس كورونا و”الأخبار” المغلوطة التي تنتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي وافتعال “أخبار” وأرقام بل وتصريحات زائفة على لسان المسؤولين، وإشاعات مغلوطة حول المرض وعلاجه قد ساعدت في إثارة الهلع والرعب بين سكان العالم أجمع وليس فقط في الأردن. فنحن جميعاً نمر بأوقات عصيبة، وبدلا من التسلية بهذه الإشاعات والمساهمة في زيادة انتشارها، هنالك العديد من منصات التفاعل الجادة على الفيديو المرئي تتيح لنا خيارات الانضمام للحوارات الجادة والهادفة، أو إنشاء منصة للنقاش حول أبعاد هذا المرض وترتيب أولوياتنا في الحياة من جديد، لبث الأمل والطمأنينة.
ولكن حتى وإن بدأ الأمر بالسخرية والاستهزاء ومرورا بإطلاق الإشاعات ونظريات المؤامرة، إلا أنه انتهى بتوحيد الرسالة بالتحذير والنصح والإرشاد، فلم يعد هناك نحنُ وهم، لم نعد منفصلين أو منشقين فجميعنا في مركب واحد مصممين على أن نخرج منها بسلام. فقانون الجرائم الإلكترونية لن يردعنا إلا إذا راعينا ضميرنا في ما نكتب، وأن نفكر في أبعاد ما يمكن أن يؤدي إليه ما نكتبه. وأن نبتعد عَنِ النِّزَاعِ وَالْجِدَالِ، فهذا يؤدي إلى ارتفاع مقام الإنسان، وأن نتجنب اللّعن والطّعن وما يتكدّر به الإنسان. إن ما يحدث في العالم في مواجهة الكورونا جعلنا نعيد تعريف المواطنة العالمية، وأننا إخوة في الهم الإنساني المشترك.
وعلى الرغم مما يبدو عليه أفق العالم في هذه الأيام حالكا، واضطرابه الشديد جراء حالة الارتباك والضياع الناتجة عن الظروف التي تشهدها جميع الأمم، إلا أننا لا نزال بحاجة إلى المزيد والمزيد من الأمل وقوة الروح المنبعثة من الإيمان، فالامتحانات الإلهية كانت بين العباد، وما زالت بينهم حتى يتبين ويتميز النور من الظلمة والسعادة من الشقاوة. بالتأكيد هذه فرصة للتأمل في دورنا المجتمعي. وكيف يمكننا تعزيز صفات من قبيل الوحدة والاتحاد، الألفة والتعاطف، روح العبادة الجماعية والمسعى المشترك.
فهل سنثبت بأن الإنسانية ستعبر نفق هذه المحنة في نهاية المطاف وقد اكتسبت رؤية أوضح وتقديرا أعمق لوحدتها المتأصلة وترابطها المتبادل؟

Photo by Polina Tankilevitch on Pexels.com
انتفاضة عالمية وتساؤلات مشروعة عن العنصرية والاضطهاد

Photo by Life Matters on Pexels.com
تهاني روحي
بالرغم من مرور عدة أيام على مقتل المواطن الامريكي ذو البشرة السوداء على يد شرطي، الا أن تبعات هذا الحادث لم تهدأ هناك وانذرت بانتفاضة شعبية، وتواصلت اصدائها في جميع أنحاء العالم، فمن بين اظهار التعاطف مع المواطن المغدور وما بين شامت وشاتم، إلا أنه كان هناك شبه إجماع على أن العنصرية مازالت متغلغلة في العالم وليس في المجتمع الامريكي فحسب.
فالمظاهرات التي اجتاحت عدة مدن أمريكية احتجاجا على حادثة مينيابوليس، حيث قتل الرجل الأسمر، والتي وثقتها كاميرات الهواتف التقالة، اعادت التساؤلات التي تظهر على السطح بعد كل حادثة متسمة بالعنصرية. الا ان الانتفاضة الحالية الواقعية والافتراضية والتي اشتعلت أيضا على مواقع التواصل الاجتماعي لم تكن مجرد سخط او ردة فعل آنية فحسب، بل أعادت فتح مِلف الاضّطهاد برمته الذي يتعرّض له المُواطنون ذوو البشرة السوداء على أيدي الشرطة، وبعض مؤسّسات الدولة، واعادت أيضا قضية النفور من الآخر المختلف.
وحين نتكلم عن التمييز العنصري يجب اولا، وقبل كل شيىء معالجة الأوهام العقلية التي استباحت مفاهيم زائفة تعلمها الأجيال عبر مئات السنين في المدارس عن تفوق جنس على الآخر. ففي جذور هذا التعصب العرقي تقبع الفكرة الخاطئة بان الجنس البشري مكون من حيث الأساس من أجناس منفصلة وطبقات متعددة، وبتوفق عرق على آخر. ولكن على العالم ان يعي بالحقيقة الثابته بانه لا يوجد سوى جنس بشري واحد. فنحن شعب واحد ونسكن نفس الكوكب وننحدر من اسرة بشرية مرتبطة بمصير مشترك.
ويبدو ان فروس كورونا الذي عرّى أمور كثيرة كانت مجّملة تحت شعارات المساواة والعدالة الاجتماعية، فهو أي الفيروس قد كشف الطريقة العنصرية والكره للأجانب الذي تعاملت به بعض الدول مع اللاجئين او العمالة الوافدة. وشاهدنا خلال الأسابيع الماضية كيف ان هذا الفيروس كان يخفي صورة قبيحة لدول تتغنى بالحريات وبالمساواة والكرامة، وهذا يدل على ان الاضطهاد والعنصرية لا يزالا متأصلان أعماق النفوس، الا انها طفت على السطح فجأة حين انتابت حالة الهلع والخوف من انتشار الفيروس، حالة من التمييز العنصري على مستويات مختلفة، وبدأت المطالبات بترحيل اللاجئين والعمالة، ناهيك عن التصريحات العنصرية بحق الصينين وغيرهم ابتداءا من قيادات بعض الدول والحكومات وبعض الفنانين والسياسين في بعض الدول العربية كرمي العمال في الصحراء خشية من انتشار الفيروس وأنهم عبء على الدول ، بالاضافة الى مطالبة البعض بإجراء تجارب العلاج على السجناء ، الا ان تصريحات بعض كبار الباحثين الفرنسيين في مجال الطب كانت الأشد عنصرية حيث اقترح الطبيبان ضرورة أن تصبح إفريقيا مختبراً ضخماً للقاح فيروس كورونا، معللين ذلك بأن افريقيا تفتقر إلى الموارد الضرورية للتصدي للفيروس.
إن مبدأ وحدة العالم الإنساني يضرب وتراً حساساً في أعماق الروح. فهو اذن ليس شعارا، ولكنه يعكس حقيقة أبدية، وأخلاقية . هذه الحقيقة أصبحت أكثر وضوحاً بعد جائحة كورونا، لأن شعوب العالم أدركت بان إعتماد عنصر كل منها على الآخر ضرورة حتمية لبلوغها وادراكها لتحقق وحدتها الحتمية. مثل هذه المفاهيم تمثل خطوات فعالة نحو عالم يحاول تحقيق العدالة الاجتماعية، ولكنها وحدها، لا تكفي لاستئصال الآلام المتأصلة للعنصرية ولسائر أنواع التعصب.
فوحدة العالم الإنساني تتطلب “تغييرات عضوية في بُنية المجتمع الراهن، وهي تغييرات لم يشهد العالم لها مثيلاً، فبالاضافة إلى الاحتياج الضروري بإقامة عالم متّحد في منظوماته وتطلعاته، وفي تجارته ونظمه الاقتصادية، ولكنه أيضاً قادر على احتواء ما لا نهاية له من التعددية القومية والأعراق المختلفة .
وأخيرا، اقتبس هذا القول” هَلْ عَرَفْتُمْ لِمَ خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ واحِدٍ؛ لِئَلاَّ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ عَلى أَحَدٍ. وَتَفَكَّرُوا فِي كُلِّ حِينٍ فِي خَلْقِ أَنْفُسِكُم؛ إِذاً يَنْبَغِي كَما خَلَقْناكُم مِنْ شَيْءٍ واحِدٍ أَنْ تَكُونُوا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ،،، حَتَّى تَظْهَرَ مِنْ كَيْنُوناتِكُمْ وَأَعْمالِكُمْ وَأَفْعالِكُمْ آياتُ التَّوْحِيدِ وَجَواهِرُ التَّجْرِيدِ.
المسؤولية الاجتماعية الدينية في سياقات العصر
حوارات عديدة أفرزتها جائحة كورونا، وزخرت مواقع التواصل الاجتماعي بروابط لعدد لا يحصى من الندوات والحوارات، ويبدو أن الخلاقية في نقل الفعاليات من الواقعي الى الافتراضي باتت كثيرة.